إن أهم أهداف التحليل الإستراتيجي يكمن في تطوير إستراتيجية فعالة تمثل خارطة الطريق التي تساعد المنشآت على الانتقال من وضعها الراهن “مستوى أدائها الفعلي” actual performance إلى المستوى الذي يحقق أهدافها وطموحها المتمثل برؤيتها, الأمر الذي يتطلب إجراء تقييم حقيقي وشامل لتحديد وقياس الفجوة بين مستويي الأداء. ومن أجل معالجة هذه الفجوة بأكثر الطرق فعالية وأقلها كلفة, على المؤسسة أن تركز على اعتبارين أساسيين:
- معرفة العناصر التي يمكن أن تعيق أو تدعم الأداء, وعدم ترك أي عنصر للصدفة أو التقدير الشخصي.
- عدم اختزال حل المشكلة أو تحسين الأداء في حل “إجراء” واحد, إلا إذا أكدت نتائج التحليل إن هذا هو الحل المناسب ولا داعي لحلول أخرى, وهذه الحالة نادرة جدا ولا تكاد تصل إلى 10% “كمتوسط” من الحالات التي تستدعي تحسين الأداء المؤسسي.
الاعتبار الأول: عناصر الأداء
لأن الأداء لا يحدث في فراغ, فإن كل عنصر أو مكون من مكونات المؤسسة يمكن أن يؤثر بدرجات مختلفة سلبا أو إيجابا على الأداء المؤسسي, ابتداء من استراتجيات وتوجهات المؤسسة مرورا بكفاءة وفعالية العمليات processes, والإجراءات procedures, وطرق الاتصال بين الموظفين والأقسام, والتفافة المؤسسية , …الخ, وانتهاء بقدرات ومهارات الموظفين.
وبعبارة أخرى, لما كان الأداء الكلي هو محصلة أداء تفاعل الأفراد في إطار الأقسام الوظيفية functional units, الرئيسية منها (التي تهتم بتصميم وتقديم المنتج والخدمة بشكلها النهائي للعملاء) والأقسام الداعمة ( التي تشكل قاعدة الارتكاز لنجاح وكفاءة الأقسام الرئيسية), فإن لجودة إستراتيجية المؤسسة وبيئتها الداخلية أكبر الأثر على هذه المحصلة. وحتى نتمكن من رسم صورة واضحة تظهر جليا “فجوة الأداء” بين الوضع الراهن والوضع المستهدف, فإن تحليل الأداء المؤسسي يركز على النوعين التاليين من المعلومات:
- معلومات تساعد على تحليل الوضع الذي ترغب الإدارة العليا للمؤسسة بالوصول إليه. هذا الوضع يمثل توجهات المؤسسة direction, ومعرفته تساعد في تحديد نطاق البحث وتحديد إطار الجهود التي ستبذل في التحليل. تصف هذه المعلومات كافة الإمكانات والعناصر المؤسسية الضرورية لتنفيذ إستراتيجية المؤسسة وتحقيق أهدافها. وتكمن أهمية توجهات المؤسسة directions في كونها الركيزة الأساسية لكافة السياسات والإستراتيجيات الفرعية والقرارات اللاحقة, حيث أن لها اثر كبير في صياغة وتطبيق معايير الأداء performance standards التي تستخدم لتعريف وتحديد وتحقيق الأداء المستهدف أو الأمثل. وكما هو معلوم, فإن العناصر الأساسية لتوجهات المؤسسة تتمثل في الرؤية vision، الرسالةmission ، القيم values، الأهداف goals ، والاستراتيجيات strategies.
- معلومات تساعد على تحليل العوامل drivers التي تؤثر على الأداء الحالي والتي تعيق أو تدعم المؤسسة في الوصول إلى الوضع المستهدف. يهدف تحليل هذه المعلومات إلى تحديد ما يجب القيام به من أجل النجاح في تطوير الأداء المؤسسي بناء على المعطيات الحالية. تصف هذه المعلومات عوامل البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة ( مثل, المنافسة competition، مكان العمل workplace، والموظف performer)
الاعتبار الثاني: اختيار الحلول أو المبادرات
المؤسسات عبارة عن أنظمة تتكون, في غالبيتها, من مجموعة معقدة ومترابطة من الإدارة management, الأفراد individuals, المهام والأدوار jobs , طرق العمل processes, الوظائف functions, والتكنولوجيا technology. إضافة إلى ذلك, هنالك عدد من العناصر التي تساهم في امتلاك كل مؤسسة شخصيتها المستقلة التي تميزها عن غيرها “سلبا أو إيجابا” مثل؛ الثقافة culture, القيم values, المبادئ principles, الفلسفة philosophy, مستوى المهارات والجدارات competencies, الخ. لذلك, فإن تفاعل هذه العناصر, التي يمكن تصنيفها إلى موارد resources وإمكانيات capabilities, يسمح للمؤسسة من امتلاك خصائص characteristics تميزها عن مثيلاتها في نشاطها الاقتصادي.
فعندما يتعذر وصول مستوى الأداء المؤسسي إلى درجة مقبولة, من النادر أن يعود ذلك إلى فشل أو إخفاق عنصر واحد فقط, خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المتغيرات الكثيرة الناتجة عن تفاعل هذه العناصر أو المكونات. لذلك فإن أحد الاعتبارات الرئيسة في “تحليل الأداء” هو عدم اختزال عملية البحث على الافتراضات المسبقة, الحلول الآنية, والحلول الأحادية أو المجتزأة, وخصوصا المهارات skills والمعارف knowledge (التي قد تكون غير متوفرة), وإنما التركيز على فحص كافة المعيقات الأخرى التي قد تعترض الوصول إلى المستوى المطلوب من الأداء, مثل العوامل التشغيلية والتحفيزية والثقافية. الخ.