تعد المملكة العربية السعودية، من الدول السبّاقة إقليميا وعالميا، التي آلت الاهتمام لذوي الإعاقة وتوظيفهم، حيث كانت من الدول العشرين الأولى التي وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة التي نصت على وجوب الاعتراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل على قدم المساواة مع الأشخاص الآخرين (الأمم المتحدة، 2006). إذ أن المملكة العربية السعودية وضعت مجموعة من القواعد والأنظمة التي تضمن هذا الحق وتوفره لكل الأشخاص ذوي الإعاقة باختلاف نوع إعاقتهم ودرجتها، وباختلاف مؤهلاتهم الأكاديمية والمهنية. وقد توج هذا المسار برؤية المملكة 2030 التي ركزت على منح الأشخاص ذوي الإعاقة حقوقهم كاملة وتمكينهم ليكونوا جزءا فعالا وسط مجتمع حيوي تكاملي يؤمن بأن لكل فرد فيه دور جوهري يهدف من خلاله لخدمة وطنه ودعم تنميته والنهوض باقتصاده، ومن أجل ذلك تم انشاء هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة التي تُعنى بتأهيل ذوي الإعاقة وتمكينهم من المشاركة الكاملة الشاملة والفاعلة في المجتمع (رؤية المملكة، 2030).
ولعل هذه الجهود المبذولة من المملكة في كافة الأصعدة أدت إلى نتائج جيدة فيما يتعلق بإدماج ذوي الإعاقة في سوق العمل، إذ استفادة 1,340 شخصًا من ذوي الإعاقة من صندوق تنمية الموارد البشرية، واستفادة 1,316 شخصًا من ذوي الإعاقة من برامج وزارة الإسكان، واستفادة 866 شخصًا من ذوي الإعاقة من التدريب الذي تقدمه المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لحدود سنة 2021، كما أسهمت مبادرات برنامج التحول الوطني لتمكين اندماج ذوي الإعاقة في سوق العمل في رفع نسبة العاملين من الأشخاص ذوي الإعاقة القادرين على العمل من 7.70% في عام 2017، إلى 12% بنهاية عام 2020 (وكالة الأنباء السعودية، مارس 2021).
غير أن هذه الجهود، وبالرغم من أهميتها وأهمية نتائجها، إلا أنها لاتزال ضعيفة ودون المستوى المنشود، فالحديث عن توظيف مالا يزيد عن 15% مما مجموعه (1,445,723) شخص (الهيئة العامة للإحصاء، 2017)، أي أنه فقط حوالي 222.400 هم من تمكنوا من ولوج سوق العمل، وهذا رقم لا يرقى لمستوى التطلعات، ولمستوى الجهود المبذولة من المملكة. مما يجعلنا نتساءل عن أسباب ذلك، وعن التحديات التي تحول دون تحقيق الأهداف المأمولة؟
لقد أجريت العديد من الدراسات حول واقع تشغيل ذوي الإعاقة بالمملكة، باختلاف أنواع إعاقتهم، بل إن حتى نسبة من الذين تمكنوا من الحصول على وظائف يعيشون تحديات ترتبط بعدم تكافؤ الأجور مع غيرهم، وعدم حصولهم على التدريب الكافي لممارسة الأعمال المنوطة بهم، ونظرة أصحاب العمل الذين ينظرون لتشغيل ذوي الإعاقة كالتزام نظامي أو أخلاقي فقط، وليس كرأس مال بشري له إضافة على مؤسسات العمل وجودتها (العجمي والبتال، 2015؛ حسنين، 2020؛ الخالدي، 2023).
أي أن إشكالية توظيف ذوي الإعاقة وادماجهم في سوق العمل هي إشكالية مركبة، يتداخل فيها دور مؤسسات التدريب والتعليم، وما مدى جودة المناهج والطرق المطبقة فيها، من حيث التشخيص والمواكبة والتأهيل وتمكين ذوي الإعاقة من المهارات الحقيقية التي يحتاجونها تواصليا ومهنيا وحياتيا. وكذلك دور الشركاء من شركات ومؤسسات العمل، ومدى التزامها الفعلي بأدوارها في تأهيل ذوي الإعاقة وتوفير سبل كفيلة باندماجهم في سوق العمل وابداعهم فيه، دون حصرهم في أعمال هامشية رمزية لا تتناسب مع مؤهلاتهم ورغباتهم، وأيضا مدى تطبيق اللوائح والأنظمة والسهر على ذلك من قبل المؤسسات الرقابية من أجل حماية ذوي الإعاقة وتأمين حصولهم على أعمال تتناسب مع نوع الإعاقة ونوع التدريب بشكل متساوي مع غيرهم.
وهكذا فمسألة توظيف الإعاقة وإدماجه في سوق العمل، ليس عملية سهلة، ولكنه رهان وطني، لابد أن تتظافر فيه جهود جميع القطاعات، من أجل الوصول لتحقيق رؤية المملكة 2030. إذ أن التنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق إلا بجهود كافة أفراد الوطن، دون ميز. ولهذا فالباحثة، خلال سلسلة من المقالات، ستحاول أن تتناول مجموعة من المواضيع المتعلقة بآليات توظيف ذوي الإعاقة وتيسير ادماجهم في سوق العمل، من خلال محاولة تذليل التحديات وتجاوزها، من التدريب في مؤسسات التعليم والتربية الخاصة إلى الإجراءات الفنية والتقنية المتعلقة بسوق العمل داخل المنظمات والمؤسسات التي يحصل فيها ذوو الإعاقة على العمل، سواء في القطاع الخاص أو العام.
——————-
لائحة المراجع:
الأمم المتحدة. (2006). اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة. مسترجع بتاريخ: 17/01/2024 من: https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/convention-rights-persons-disabilities
حسنين، هالة أحمد سليمان. (2021). العوامل المؤثرة في توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة وعلاقتها ببعض المتغيرات كما يدركها المختصون. مجلة كلية التربية، جامعة سوهاج، 1 (82)، 540-595.
الخالدي، عادل بن عبد بن حسين. (2023). معوقات توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في القطاع الخاص السعودي في منطقة المدينة المنورة. مجلة العلوم التربوية والنفسية، جامعة القصيم. 16 (1)، 1-35.
العجمي، ناصر بن سعد؛ البتال، الجوهرة بنت عبد الله. (2015). الصعوبات التي تواجه توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة الفكرية من وجهة نظر العاملين في معاهد وبرامج التربية الفكرية بمدينة الرياض. مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات التربوية والنفسية. 4 (14)، 238-270.
المملكة العربية السعودية. (2016). رؤية المملكة 2030. مسترجع بتاريخ: 17/01/2024 من: https://www.vision2030.gov.sa/media/5ptbkbxn/saudi_vision2030_ar.pdf
الهيئة العامة للإحصاء. (2017). احصائيات ذوي الإعاقة بالمملكة. مسترجع بتاريخ: 17/01/2024 من: https://www.apd.gov.sa/statistics
وكالة الأنباء السعودية. (2021). مسترجع بتاريخ: 17/01/2024 من: https://www.spa.gov.sa/2206008